"حد عايز قلب فاضي"... يدندن بها "محمد منير" من أجل الحب.... وأرددها أنا لما ينتابني من مشاعر..... فمنذ عدة شهور وأنا أشعر بفراغ داخلي.... أحس خلاء في صدري... أشعر أني أصبحت فارغا من الكلمات.... توقفت عن الكتابة ولم أكن أعود إلا ببضع كلمات لا تشبع رغبتي في ملء السطور والأوراق..... جف حبر أقلامي وتثاقلت أصابعي في حركتها على الكيبورد.... لا أدري ما الذي تغير... كل الظروف المحيطة تشجع بل وتدفع دفعا إلى الكتابة.... ولكن للأسف.... لا شيء.... تركت منزلي واختبرت نحوه حنينا جارفا.... تذوقت حقا طعم البيوت... كم ليال قضيتها أبكي من داخلي أسى وأسفا على الرحيل.... تباعدت المسافات بيني وبين أصدقائي.... لم أعد أراهم كما كنت سابقا.... لم يستطع أحد أن يفهم ما أشعر... لم يقرأ أحد ما بداخلي.... كنت أحتاج الكتابة بشدة.... لكني لم أستطع.... إنها إحدى تلك اللحظات التي تشعر فيها أنك بئر جاف مهمل لا رجاء منه..... ينفض الناس من حولك إذ لا ترى لك فائدة.... ثم توفيت جدتي.... رحلت لتلقى من أحبت وعاشت أسوأ سنة في حياتها تتذكره وتبكيه.... غادرت لتأتي الذكريات.... ذكريات أجرت دموعا أخرى.... لا أدري أدموعا من الحزن كانت أم من الندم.... أخذت أتذكر كل من رحلوا وأحصي الفرص التي فوتها لمنحهم ولو جزءا بسيطا من السعادة.... كانت كل ذكرى تحمل معها ألما شديدا وجراحا بالغة..... عشت قصة حب فاشلة.... ربما لم يؤلمني أنها انتهت، ولكن أكثر ما آلمني تلك الحال التي انتهت عليها.... لم تظهر كلمة "النهاية" على الشاشة إلا بعد أن وصل السكريبت إلى منطقة تصاعد وحدة في الأحداث، ووسط هذه الحالة من التوتر والتراجيدية قرر السكريبت أن ينتهي..... ومع النهاية كرهت نفسي كثيرا.... كنت أتمنى نهاية أفضل للأمور.... لأيام ظللت أعتقد أني لن أصلح للحب.... قررت أن أمتنع تماما عن الحب كي لا أتسبب في الأذى لإحداهن... توقفت هنا كثيرا، مزدحما بالأفكار والمشاعر... تنعدم الكلمات ثانية.... كلما حاولت الكتابة تذكرت الأستاذ أحمد صابر..... تجتمع الدموع في عيني للذكرى... لا أدري ماذا أقول؛ إذ أمام هذا الرجل تصاب الكلمات بحالة عجز كلي، وتخرس ألسنة المتكلمين.... رحل هذا الرجل سريعا تاركا وراءه مكانا شاغرا لا يمكن لأحد أن يملأه... لم ولن يشغل هذا الحيز أحد غيره.... إنه أحد الأشخاص الذين تزدحم بهم حياتك.... لا تشعر بهم كثيرا.... موجود دائما في خلفية الصورة.... ولكن حين يختفي يفقد كل شيء معناه.... تصبح الصورة باهتة، والحياة بلا طعم.... تماما كقلبك.... ربما لا تتحكم في دقاته.... يدق دائما.... بإرادتك وبدونها.... ومع دقاته ينطلق جسدك في الحياة.... يدق في صحوك، ويدق في نومك.... يعمل في هدوء وصمت في الخلفية.... ولكن، وبدون سابق إنذار تأتي نهاية السباق... فجأة يقرر أن يتوقف عن دقاته.... ومع توقفه تهوي أنت إلى الحياة الآخرة.... هذا هو الأستاذ أحمد صابر..... وما يحزنني أنه قبل الرحيل لم أعد أراه كثيرا.... كان أحد الذين ابتعدت عنهم بالرحيل عن منزلي.... إحساس دفين بالذنب للتقصير في حقه.... لأول مرة -يوم وفاته- أبكي أمام الناس.... تمنعني طبيعة شخصيتي من هذا دائما.... لا أبكي إلا وحيدا... ولكن فعلتها للمرة الأولى -وربما الأخيرة- في ذاك اليوم.... أمام كل هذا كنت أقف عاجزا.... أحتاج إلى الكتابة وأرغب في ذلك بشدة، ولكنها لا تعدو أبدا كونها مجرد رغبة... كنت أفتح البلوج وأظل أنظر إليه عله يحرك داخلي شيئا، ولكني لم أفعل سوى أن أظل أنظر إليه... بدون أي نتيجة... في النهاية، وبعد معاناة طوال هذه الشهور، أدركت أنني أعرف عما يمكنني الكتابة.... علمت أن حالة انعدام الكلمات هذه هي أفضل مولد للكلمات.... عزمت أن أكتب، فكان هذا البوست...